Translate

2019/08/18

مدنيااااو - قصة الثورة بين شبكات التواصل الاجتماعي و التغيير المنشود



الفصل الاول - حالنا و التغيير

1- من وحي إعتصام القيادة

كان إعتصام القيادة العامة في الخرطوم ضالتي الأخيرة في البحث عن معلومات لإكمال دراستي للدكتوراه والتي استمرت إلي ما يقارب العامين و اشهر ، فكانت الفرصة للاحتكاك بهذا الجيل الذي يجيد التعامل مع موضوع رسالتي و التي تدور رحاها حول وسائل الإعلام الحديث و الوعي المجتمعي ، ما يقارب الشهر و أكثر كنت اجلس معهم و بلغتهم "اصبها" معهم بحثا عن معلومات و مقابلات و توزيعا للاستبانات و تصويرا للمشاهد ، و كتابة ملاحظات من داخل ارض الاعتصام ، كانت زيارتي لليوم الأول في نهارية رمضانية و كنت متوجسا بعض الشيء ، نقطة البداية كانت بالقرب من نادي الشرطة في بري وكان أول رفع ليدي "فوق" ذلك لتفتيشي "بالذوق" حسب شعار التفتيش لديهم " ارفع ايدك فوق و التفتيش بالذوق " ، بعد تفتيشي مررت بصندوق وضع على طاولة صغيرة و كتب عليه " لو عندك خت لو ما عندك شيل" و الذي يمثل قيمة من القيم المجتمعية والدينية العظيمة و هي " التكافل" ، و في الاثناء يصادفك شخص أطلق عليه "جردل مان " و هو شخص اعتاد حمل "جردل" مليء بالماء يقوم بنثر المياه على الناس لترطيب الأجواء مع درجات الحرارة المرتفعة و اكتظاظ المكان بالناس ، ثم مررت بالسرادقات التي تتزين باللافتات الملونة موضحة الجهات التي تنتمي إليها سواء كانت جهوية أو حزبية أو فئوية و توقفت عند إحداها و التي كتب عليها شهداء رمضان في إشارة إلي الذين قضوا في انقلاب رمضان الشهير في ١٩٩٠ و مع الهتافات و الخطابات تجولت في معرض للصور و الكتابات عن الشهداء ، ثم تحركت نحو مصدر لصوت قوي ناحية الغرب فاذا بهم مجموعة من الشباب يضعون قضيبا من الحديد علي حجارة و يضربونه ضربا قويا و يقولون شيئا لا تستطيع تمييز ما يقولون مع صوت ضرب الحديد ، و اخرون اعلي نفق شارع الجامعة بسؤالي عنهم قيل لي انهم "جمهورية اعلي النفق" شباب يضربون الحديد بالحديد و يتغنون و يتراقصون معه في تواصل تعبيرا بطريقة خاصة ، الي هنا انتهي يومي الأول و عدت إلي المنزل ، بالطبع اثناء تجوالي كنت أدوّن معلوماتي التي اجدها من الذين اقابلهم ، في اليوم الثاني عدت مرة اخري و بعد "التفتيش بالذوق" اجبرني احد الشباب بالقوة الجميلة أن اتجه يمينا لشرب كوب من العصير البارد "مجانا" ، بعدها و انا اتطوف حول المحلات المختلفة و استمع للهتافات و الخطب و أشاهد المعارض و أقابل المعتصمين عارضا عليهم فكرتي مستفيدا من تعليقاتهم احيانا بالنقاشات و المقابلات و احيانا بتسليمهم استمارات الاستبانات لملئها فأجبر مرة أخرى لتناول كوب من الشاي و هذه المرة التي قابلت فيها الشباب الذين اشتهروا بالتغني لشاي كوفتي " يا أخوانا الشاي الشاي بيجاي شاي ما عادي شاي كوفتي كمان بموية صحة و معاه كيكة " ، ثم القهوة و أثناء التجوال أجد المياه الباردة في كل مكان و مع ما يعرض "بالمجاني" هناك من يعرضون "بحقه" فقد شهد الكثير من الناس منافع لهم من غير الهدف الأساسي للاعتصام مثل البائعين الجائلين الذي يجلبون المكسرات المختلفة من فول سوداني و تسالي و قصب السكر المقطع في فصوص و الترمس و الكبكبي و المانجو المقطع في شرائح مع الملح و الشطة و الليمون إضافة إلي بائعات القهوة و الشاي ، استرحت قليلا في أحد الأركان في احدى الخيم لاحدى مناطق الولاية الشمالية حيث يتغني بعض الشباب اغنيات الطمبور ، عبرت نفق الجامعة و الذي يكاد ينهد علينا من تحركات و أصوات و ضربات أولئك الذين يقفون عليه من مجموعة "جمهورية اعلي النفق" لا يفترون و يقال انهم يقفون هنا ليلا و نهارا و لهم قائد يدعي رئيس جمهورية النفق , وفي حوار معه قرأته لاحقا اجرته معه المذيعة سوزان من قناة الهلال :( ذكر أن اسمه عماد الدين بابكر إبراهيم البشير وتم بث اللقاء عبر قناة الجزيرة القطرية حيث اكد من خلال اللقاء أنه مهندس كهربائي من أبناء منطقة الصالحة أم درمان وظل مرتكزاً فوق النفق مع المعتصمين منذ السادس من أبريل ، وكاشفاً كل الشوارع ومستقبلاً المواكب ورافعاً علمه الخاص الذي يحتوي على حمامة السلام وغصن الزيتون وشعار حرية سلام وعدالة وأرضاً سلاح) ، علي اليسار من "جمهورية اعلي النفق " وجدت نفسي امام معرض ارضي للكتاب و يجلس علي الجانب البعض و هم يحملون الكتب و يتصفحونها ، قال لي الشخص المسئول بامكانك ان تقرا بالمجان أو تشتري و كذلك يمكنك احضار كتاب يخصك لوضعه للبيع أو للعرض للقراءة مجانا.
لاحظت من خلال تجوالي في الساحة أن العمل كأنه منظم و مرتب له منذ فترة طويلة و قد حان فقط وقت التنفيذ و كان كل شخص له دور معين كلف به بداية من التفتيش و النظافة و التأمين والمسرح و إعداد الأكل و عمليات المياه و العصائر و الشاي ، هناك إشارات مكتوبة على ظهر أولئك الشباب تخبرك عن طبيعة عمل الشخص داخل ميدان الاعتصام سواء كان النظام او الاكل او التأمين ، و الملاحظ أن الكل يقوم بالعمل بدون تزمر او تضجر و ذلك أمر ربما يحتاج إلي بحوث و دراسات و تعمق أن الخير موجود في هذا البلد إلا أنه يحتاج إلي إزاحة الغبار عنه ليتم اكتشافه بل التفاعل معه ، أنها دروس ستكتب للتاريخ .
من خلال تجوالي وجدت الساحة تمثل كافة الوان الطيف السوداني من سياسية و فكرية و جهوية و كذلك الطرق الصوفية بأناشيدها و مدائحها و دراويشها والمجموعات القبلية بدفوفها واهازيجها و رقصاتها ، وجدت داخل ساحة الاعتصام تنوعا في المكونات فكانت الجالية الهندية بلافتاتها و طعامها و اهلها ، وجدت ايضا مجموعات من جنوب السودان يرقصون على نغمات الجاز و كلمات بلهجات جنوبية، لكل منطقة تمثيل داخل الساحة و بلافتة واضحة كثوار ربك و أبناء كوستي و ثوار سنار و الدمازين و كثير من المناطق ، لفتت انتباهي لافتة على إحدى الخيم مكتوب عليها " الجنقو مسامير الأرض " وجدت داخل الخيمة مجموعة من الشباب قالوا انهم من "الجنقو" و هم من عمال الزراعة الموسميين بولاية القضارف الذين اشتهروا من خلال رواية الكاتب بركة ساكن بعنوان "الجنقو مسامير الارض " وقد جاءوا للمشاركة في الحراك وشرح قضيتهم ولفت الأنظار إلى معاناة العمال الزراعيين، و العديد العديد من اللافتات لابناء المنطقة الفلانية أو المدينة الفلانية أو القبيلة الفلانية و الحركة الفلانية كل جهة لها موقعها و كل يعرض بضاعته من هتافات و خطابات و اغاني و رقص و معارض للتصوير و الكتب و المخطوطات و الرسومات ، و للكل الحق في اختيار اين يقف و اي جهة يعجب و يشارك في فعالياتها.
أثناء تطوافي داخل الساحة وجدت إحدى الفتيات تحمل لوحة مكتوب عليها ((عيناك الزابلتان و ملامحك المرهفة هما سحر القيادة)) و بسؤالي قيل ان هذه الفتاة أطلق عليها شجن القيادة- شجن سليمان داوود انتشرت صورها على الوسائل الاعلامية الحديثة و اعتبرتها انها احدى أيقونات الثورة، و يقال لها فتاة القيادة، تعرف شجن في ساحة الاعتصام وحركتها المتواصلة حيث تطوف على المعتصمين و هي تحمل لوحات تكتب فيها عبارات تشد من أزر المعتصمين وتدفعهم إلى الاستمرار و التفاؤل . التحقت بالاعتصام من يومه الأول في يوم ٦ ابريل 2019 م،و هي تقوم يوميا بالطواف حول الساحة بهذه اللوحة التي تغير عباراتها يوميا و هي بهذا تشحذ الهمم و تدعم الشباب و تحفذهم.
قابلتني شابة تحمل لافتة تفيد انهم يكملون قراءة القرآن لأرواح الشهداء بما يسمونه "الختمة القرانية" حيث يتحلق الناس في مجموعات و كل يحمل جزء من المصحف و يقوم بقراءته و بذلك كل ثلاثين شخص يكملون قراءة القران في زمن وجيز .
من الأمور التي لفتت الأنظار ظاهرة الأعراس التي شهدها الميدان(لم أحضرها إلا أني حدثت عنها) أمام مقر القيادة العامة للجيش، و التي كان أشهرها عرس وفاق قرشي، و الذي حول حفلات الاعراس الى تظاهرات تأثراً بما يحدث في البلد ، هناك بعض العرسان يحضرون للساحة لأخذ اللقطات التصويرية و معهم المخرجين و الذين يرتبون لهم حفلات زواجهم و يكملونها بالتصوير الخارجي للعروسين او ما يسمي بالاوت دور و يستفيدون من تجمعات الاعتصام في ذلك الأمر .
تم تشييد مسرح بكامل تكوينات الفنية و الحديثة من صوتيات و ملتميديا و زخارف و إضاءات و تقام فيه الحفلات للأغاني الوطنية إلى جانب الأنشطة الأخرى من فقرات مسرحية وغنائية وثقافية وأمسيات شعرية ، و لقاءات حوارية مع بعض القيادات و اثناء تجوالي شهدت محاضرة تامة للمرحوم علي محمود حسنين قبل وفاته بأيام قليلة حيث تحدث عن الوضع و رؤية حزبه المستقبلية مع الهتافات والتصفيق من جانب الحضور .
أثناء التجوال توقفت عند لافتة كبيرة مكتوب عليها رابطة أبناء و عموم قبائل الهبانية حيث تتغنى بعض النسوة بصوت جميل و تصفيقات اجمل من الرجال و بحركات جميلة مع الرقص و التمايل للنساء في شكل جميل يجعلك لا تستطيع المغادرة و تزيد أعداد المشاهدين كلما ارتفع صوت التصفيق المنتظم .
في ذات ليلة كان همي الشاغل لقاء الشخص الملقب بدسيس مان و الذي قرأت عنه و استمعت الى انشاده من خلال الوسائط المختلفة ,و بعد إرهاق شديد عثرت عليه الا انه محاط بمجموعة كبيرة من الشباب و الشابات و هو وسطهم كالقائد المبجل ينشد والناس يصفقون ويرددون آخر ما يقوله في المقطع ،
بس انت حاول بيت ،،
شاي الصباح نديك ،،
فرشة ومعجون نديك ،،
تلفونك نشحنو ليك ..
واي فاي نوصلو ليك ،،
و عبارات أخرى والملاحظ ان صغار الشباب هم الفئة الغالبة الملتفة حول الرجل كما هو الغالب في ارض الاعتصام ، وهم صبية لاتتعدي أعمارهم العشرين عاما الكثير منهم يحمل علم السودان ويطوفون به أرض الاعتصام مرددين الهتافات والأهازيج ثم يستريحون بموسيقى نشيد علم السودان و وقفة احترام وإجلال أمام المنصة الكبيرة التي أعدت كمسرح مجهز بكافة مستلزمات الملتيميديا .
و على طول الطريق المؤدي من صينية بري مرورا بأسوار الجيش إلى النفق و حيطان مسجد الجامعة و مرافق الجامعة المختلفة و ما جاورها من مصالح حكومية و مؤسسات مختلفة و لافتات عالية و اسقف و حتى كبري النيل الازرق القديم و نفق الجامعة من داخله و خارجه و على جنباته كانت رحلتي مع الجداريات و هي مجموعة من اللوحات لأعمال فنية مرسومة بحرفية و عناية لفنانين تشكيليين من الجنسين بها تعبيرات عن الثورة و الشهداء و الوطن و الفرح و الحزن و الجداريات من الفنون التي تقوم بتوصيل الرسالة بسرعة من النظرة الأولى و لها تأثير كبير كونها تجمع ألوان جميلة و ابداع جميل ،، في المدخل من الناحية الشمالية وجدت مجموعة من الفنانين التشكيليين مهمومون و مشغولون و أمامهم قطع من القماش ذكروا أنهم يخططون لعمل أطول لوحة في العالم بطول 3 كيلومترات توضح عليها توقيعات المشاركين في الاعتصام مع صور الشهداء لتدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية.

"مدنيااااو" قصة الثورة المسروقة

الي متي يظل مأذقنا متواصلاً

  [الي متي يظل مأذقنا متواصلاً؟] [مزاحمة المواطنين للمتقاتلين هل هي "سبهللية"] ▪️مرات عديدة قمنا بتغييرات سياسية في بلادنا ونفخر د...