Translate

2019/05/18

الحرية و التغيير ما بين "الكيزان" و "الكايزن"

الحرية و التغيير ما بين "الكيزان" و "الكايزن" ‏
شعار الحرية و التغيير مليئ بالمعاني و القيم ، ساتناول بالبحث والتحليل الجزئية الثانية من الشعار و هي كلمة التغيير ، و ذلك في سلسلة من المقالات .
جاء في قاموس المعاني ان كلمة "التغيير" معناها استبدال الشيء و بمعني اخر التغيير هو الاِسْتِغناء عن شَيء واسْتِبداله بشَيء آخر .

و قال سبحانه و تعالي : (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ)  [سورة الرعد:11].
الله جل وعلا يغير ما بالناس إذا غيروا، فإذا كانوا على طاعة واستقامة ثم غيروا إلى المعاصي، غيرَّ الله حالهم من الطمأنينة والسعادة واليسر والرخاء إلى غير ذلك. و العكس؛ إذا كانوا في معاصٍ وشرور وانحراف، ثم توجهوا إلى الحق، وتابوا إلى الله ورجعوا إليه واستقاموا على دينه، فإن الله يغير ما بهم سبحانه من الخوف والفقر والاختلاف والتشاحن، إلى أمن وعافية واستقامة، إلى رخاء وإلى محبة وإلى تعاون وإلى تقارب ، فضلًا منه سبحانه ومن هذا قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ ما بِأَنفُسِهِمْ) [سورةالأنفال:53]. فالعبد عنده أسباب وعنده عمل، وعنده إرادة وعنده مشيئة، ولكنه بذلك لا يخرج عن قدر الله ومشيئته.
قد يظن البعض ان كلمة "التغيير" معني بها نظام الحكم اي تغيير النظام او الحكومة ، حاشي و كلا ، فالتغيير كلمة شاملة ينبغي ان تمس كل دولاب الامة و حلقاتها الاجتماعية و الثقافية و السياسية و الدينية .
يتحدث الكثير من الناس عن المظاهر التي صاحبت بداية هذه الثورة و حتي الان و يصفون ذلك بتعطيل مصالح الناس و سبل حركة حياتهم و يلومون الشباب علي هذه الامور من اغلاق للطرق و حرق للاطارات و هتافات غريبة و تجمعات مختلطة و تعطيل للحركة ، لكني قد اختلف قليلا مع هذا الرأي ، فالدولة الان في حالة مخاض و هذا الذي يحدث هو "الم المخاض" او كما يقال بالدارجي "وجع الولادة" وهنا يجب علي تحية السيد الامام الصادق المهدي فقد اقتبست منه طريقته في التشبيه بمثل هذه التعابير التي لا تخرج من البيئة و التي ينبغي علينا احترامها فهي جزء من ارثنا و عاداتنا و تقاليدنا .
بالعودة لموضوع التغيير و ما صاحب بداياته من مظاهر فان اللوم يجب ان يقع علي النظام الذي اوصلنا لهذا الحال من تردي ، ربنا سبحانه و تعالي اعطاهم الملك و امسكهم بزمام الامور و كنا ننتظر انقاذ بلادنا لكن للاسف الشديد مالبثوا ان بدءوا يسيئون ادارة الحكم و يتنازعون آلياتها فصاروا فرقا و طوائف همها السلطة فاحتار الشباب و هام و لم يستطيعوا تحديد وجهتهم التي ينبغي اتباعها ، و قام النظام بالدفع بدراويش السياسة و الحكم وتحميلهم المسئولية فخابوا و فشلوا و قد صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي قال لمن سأله عن الساعة: «إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (رواه البخاري ،و لعلها ساعة زوال هذا النظام اذا أنزلنا هذا الحديث الي واقع النظام في أيامه الاخيرة .
التغيير الذي يعنيه الشعار بالاضافة الي تغيير نظام الحكم فانه يعني كما اسلفت التغيير الشامل و الذي يبدا من ثقافتنا و عاداتنا و سلوكياتنا و طرقنا و مناهجنا في تسيير امور الحياة و العيش ، سابدا الحديث عن التغيير المطلوب في حلقات و لكن بطريقة غير منظمة و مشتتة و متناثرة و اعني انني ساخوض في امر و اتبعه باخر ربما يكون بعيدا عنه والسبب ان كل شيء قد وصلت اليه يد النظام تركت عليه بصمات واضحة و للاسف سيئة .
الشباب كما يقال هم امل الامة و مستقبلها و الشباب هم الذخيرة التي ينبغي المحافظة عليها فماذا فعلت الانقاذ بالشباب و الذين ولدوا و ترعرعوا في كنفها و لا يعرفون نظاما غيرها ؟ ، للاسف الشديد اول سهم طعن به الشباب هو الخلافات التي شبت بين شيوخ و زعماء الانقاذ و الذي كان سببه الرئيسي هو حب السلطة ،فتشتت الشباب و صاروا حياري لا يدرون و لا يميزون اي منهج يتبعون و ايى جهة يقصدون و اي قدوة يقتدون بها و اي امام يتبعونه فكان ما كان ، و النظام المخلوع في غمرة اختلافاته و شهواته السلطانية و لهثه و استعداداته و كنكشته و جريه وراء السلطة تناسي او تجاهل قطاعا مهما من قطاعات المجتمع فقد  كثرت الاخبار التي تتناول قضايا الاغتصاب و  قضايا تعاطي المخدرات و الاتجار بها ، و قضايا العري و تشبه النساء بالرجال و الرجال بالنساء ، و قضايا ما يسمي بالغناء الهابط ، و قضايا الاقفال (الطبل) علي الكباري ، و قد  صار الامر مخيفا و صار من المعتاد ان نسمع  في الاخبار ربما يوميا القبض علي شاب اعتدي علي طفلة و اغتصبها و قتلها ، و نسمع بمطربة ظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي في وضع مخل بالاداب ، و نسمع بشباب قبض عليهم في وضع غير لائق باحدي الشقق  و قبل فترة عايشنا خبر  الشاب الذي قدم عريضة للسلطات مطالبا بتغيير ديانته من مسلم الي لا ديني ، و ما رشح في الاخبار حول ما اطلق عليهم  "عبدة الشمس " و تفشي ما قيل انها "ظاهرة الحاد " ،
لقد صار هذا الجيل بعيدا كل البعد عن الدين و ربما ثقافة المجتمع و اخلاقه ، للاسف الشديد نشا هذا الجيل في فترة  كان فيها  كل هم النظام  النواحي الاقتصادية و الأمنية و تناسوا او تجاهلوا التربية و التعليم و للاسف  الشديد تركت السلطات هذا الجيل لتتكالب عليه جهات عدة  بدءا بالشارع ، و التشكيلات الدينية المتعددة و المتناحرة فيما بينها  ، القنوات الفضائية  ، الفضاء الاسفيري العنكبوتي ، الاجانب ، التجار ، الشقق ، السلطة  بسوءاتها و تناحرها و اختلافها فيما بينها و بقية العقد غير الفريد ، فأصبح الشباب لا يعرفون الي أين يتجه معتقدهم و ما هي عاداتهم و تقاليدهم و ثقافاتهم و سلوكياتهم التي ينبغي ان يتبعوها و تخلت الدولة تماما عن هذا الامر و انشغلت باشياء تحسبها أولويات ، لذلك هذا هو الناتج و أمثال هؤلاء الشباب من اغتصب فتاة او ارتد عن الدين او تشبه بالنساء ،  كثر و ما تم اكتشافه ربما يكون القليل ، فالنظام يتحمل المسئولية و كذلك الشيوخ الذين في تقديري يتحملون نسبة كبيرة من الذي حدث ذلك بسلبيتهم في تناول القضايا في هذا العصر .
تقع علي الحكومة المدنية القادمة مسئولية كبيرة في تغيير ما الم بقطاع الشباب و لعل تجربة الاعتصام و كيفيته و بيئته و حركته ، يجب ان تكون بداية الانطلاق للاهتمام بهذا القطاع ، الاعتصام الذي رايناه ليس فقط الجلوس للطرب و الهتافات لتغيير النظام فالساحة عبارة عن مهرجان و منتديات و ابداع ثقافي و سياسي و اسواق و تجمعات مختلفة كل يعبر بطريقته لا احد يمنعه منهم من يوجه رسالته بالرقص و منهم من يبعثها بالفنون التشكيلية و الرسم و منهم من يرسلها بالغناء و الانشاد و منهم من يوجهها بفن الخطابة و حتي الذين يقفون في نقاط التفتيش و بكل أدب يعبرون بطريقتهم و يبعثون برسالتهم و اخرون يعرضون الكتب و فئة مهمومة بتجهيز الاطعمة و المشروبات و اخرون يحملون أدوات النظافة و ينظفون المواقع في منظر بهيج اصحاب المتاريس و ما ادراك ما هم صنف يستحق الدراسة و التمحص ، و لا ننسي شباب المهن الصحية من أطباء و فنيين ، و فنان الراب ماو و " دفعولك كم ،، عشان تقلبا دم " الذي يثير الاهتمام هو اندماج كل هذه الفئات و تعاونهم من اجل هدف واحد ، هو التغيير ، و لو ان لكل فرد او مجموعة طريقة و منهاج يختلف عن الاخر ، تخيلوا ان كل هذه الابداعات و المواهب و الافكار و المناشط كانت مكبوتة و مسجونة و ممنوعة ، لذلك التجا بعض الشباب الي اشياء شاذة في فترة النظام السابق .
انتشر في الفترة الاخيرة في عالم التدريب موضوع "الكايزن" و الذي يعتبر اداة تهدف الي تحسين الجودة والإنتاجية والسلامة  و ثقافة الإبداع و الابتكار  ، و حسب الكايزن فان التحسين يحدث  عن طريق تطبيق تغييرات يومية صغيرة تحقق تحسينات كبيرة بمرور الوقت. 
ظهر "الكايزن" لأول مرة خلال جهود إعادة بناء اليابان بعد الحرب العالمية الثانية حيث تعاون العديد من مستشاري الأعمال في الولايات المتحدة مع الشركات اليابانية للتحسين و التغيير الي الافضل وكانت النتيجة تطوير العديد من تقنيات الإدارة الجديدة .
 عبارة "كايزن" هي في الأصل يابانية و تتألف  من كلمتين : (كاي kai) و تعني (تحسين او تغيير ) و كلمة (زين zen) و هي تعني (جيد). وبمرور الوقت أصبحت تعرف باسم  (التحسين المستمر ) أو "التحسينات الإضافية الصغيرة"  او "التغيير الجيد في جميع مجالات العمل"  ،  اذن الكايزن  هو نموذج ياباني يعني الإجراء الخاص بكيفية الاستمرار في النجاح وكيفية التغيير إلى الأفضل وكيفية إجراء بعض الإضافات للتحسين و التغيير .
بما اننا نحتاج الي اعادة صياغة لثفافتنا التي مستها الضراء و السوء بالافاعيل من النظام السابق ، و هؤلاء الشباب من الخريجين و الآخرين عندما ينفض الاعتصام ، أين يذهبون ، نعلم ان إمكانيات الدولة لا تستطيع بين عشية و ضحاها ان توفر فرص العمل لهؤلاء الملايين ، لذلك لا بد من إجراءات عاجلة كمسكنات الي ان نجد الحلول الناجعة ، هنا نحتاج الي " الكايزن " اتمني ان تهتم الحكومة المقبلة بإقامة ساحات في كل مدينة او محلية او قرية دعنا نسميها "ساحات الشباب للعمل العام " و نستفيد من فعاليات ساحة الاعتصام كنموذج اي ان تكون كل ساحة بها تنوع من الاعمال كالمكتبات و ساحات الخطابة و المسارح المتجولة و المعارض التشكيلية و خيم الأحزاب لعرض افكارهم و آراءهم علي الشباب بالاضافة الي محلات الاكل والشرب ، لكن لا بد من الاهتمام بالنظام و النظافة و تهيئة المكان بكل المستلزمات و الخدمات من دورات مياه و أماكن عبادة و تامين، و ان تكون هذه الساحات بعيدة عن تقاطعات الطرق و مواقف النقل و المواصلات .

"مدنيااااو" قصة الثورة المسروقة

الي متي يظل مأذقنا متواصلاً

  [الي متي يظل مأذقنا متواصلاً؟] [مزاحمة المواطنين للمتقاتلين هل هي "سبهللية"] ▪️مرات عديدة قمنا بتغييرات سياسية في بلادنا ونفخر د...