Translate

2017/11/10


عرض تعريفي عن كتاب قراته

اسم الكتاب : الشيخ الدكتور حسن الترابي



المؤلف : الأستاذ محمد ادم عربي

يقع الكتاب في حوالي 250 صفحة مقاس 17 × 24 سم . تمت الطباعة في مطبعة العملة الخرطوم .

الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التي كتبت عن الدكتور حسن الترابي رحمه الله بعد وفاته و كان للمؤلف مجموعة من المقالات في مقدمة الكتاب و بين أجزائه كذلك .

بدأ المؤلف الكتاب بمجموعة من المقالات و قد ذكر أنه كان في نيته كتابة سيرة الدكتور حسن الترابي أثناء حياته و قد وضع خطة محكمة لذلك و عرضها علي الشيخ الترابي و بعد الناس إلا أن الأمر لم يكتمل لظروف حدثت وقد اشتملت خطته أكثر من أربعين مادة تغطي حياة الشيخ الترابي منذ ميلاده مرورا بالحقب المختلفة

عدد الذين كتبوا هذه المقالات مآثر الفقيد في المجالات المختلفة لاسيما نهجه في الدعوة و التجديد إضافة إلي سيرة ذاتية مقتضبة عن الفقيد الراحل .

لم تقتصر الكتابات علي السودانيين فقط فقد شملت أيضا كتابات لعرب كانت لهم علاقات بالشيخ الراحل أو صحفيين تعرفوا عليه أو قرأوا له ، كما أن هناك مقالات لاجانب من غير العرب تمت ترجمتها و إضافتها للكتاب .. إضافة للذين يتفقون مع منهج و رؤية الشيخ الراحل فإن هناك كتاب و مفكرين يختلفون عنه إلا أنهم لم يبخلوا بآرائهم نحوه بعد وفاته .

اشتمل الكتاب كذلك علي مقالات لحزبيين علي خلاف سياسي مع الشيخ الراحل إلا أنهم كذلك كتبوا عن الشيخ و ذكروا مآثره.

بالإضافة إلي المقالات ضم الكتاب مجموعة من الأشعار في رثاء الشيخ الراحل .

احتوى الكتاب علي مقال مترجم عن اللغة الفرنسية لكاتب فرنسي و هو عبارة عن لقاء قام به الكاتب الفرنسي أثناء حياة الراحل الشيخ الترابي .

هناك مجموعة من النساء كذلك شاركن بالكتابة عن الشيخ حسن و قد أشار الي ذلك مؤلف الكتاب بمقال تحت عنوان نساء السودان يكرمن الشيخ مناصرهن.

أذكر أدناه بعض الذين كتبوا عن الشيخ و الذين تضمن الكتاب مقالاتهم و هذا لا يعني أن المؤلف قد حصر كافة المقالات التي كتبت عن الشيخ الراحل لانها كانت كثيرة جدا و غطت جوانب عديدة و انتشرت في الصحف و المجلات و الوسائل و الوسائط الحديثة علي الإنترنت إضافة إلي اللقاءات في القنوات التلفزيونية .

1- السيد الصادق المهدي

2- د. غازي صلاح الدين

3- السيد عبد المحمود الشيخ أبو

3- د. أمين حسن عمر

5- السفير عبد الله الأزرق

6- د. يوسف القرضاوي

7- اليمني فؤاد البنا

8- الشيخ راشد الغنوشي

9- خالد مشعل

10- د. أحمد التويجري

11- محمد بن مختار الشنقيطي

12- د. أحمد نوفل

13- ابن عمر محمد أحمد

14- السفير معاوية التوم

15- الفرنسي الآن شفالرياس

16- د.خالد التيجاني

17- حسين خولي

18- سناء حمد الوضع

19- سلمي قنيف

و القائمة حسب المنشورات بالكتاب تضم أكثر من خمسين كاتب . إلا أني اختار مقال ممتاز و رصين و محكم و به مادة دسمة لا تعبر عن صاحبها فقط إنما تعبر عن جيل بأكمله .

الدبلوماسي /خالد موسي دفع الله

(شكرا شيخ حسن فقد اهديتني عقلا مستقلا )

اتسعت الرؤية وضاقت العبارة، تلك هي سيرة رجل انحصرت حياته في التدبر والعمل بين المثال المطلق والواقع النسبي.ذلك هو كسب التدين الذي وسم حياته صعودا وهبوطا، فقد جرت المآقي والقوافي بدمع ثخين ومداد ثقيل افاض النعي وعدد المآثر المناقب، واستبكت خطب المعزين العفوية الحزن مدرارا، رغم أن دموع الرجال غالية.

منذ ان وقف المحجوب ينعي الإمام عبدالرحمن في العام 1959، ويعدد مآثره في الكرم والشهامة والإنفاق.

العيد وافي فأين البشر والطرب

والناس تسأل أين الصارم والذرب

الواهب المال لا منن يكدره

والصادق الوعد لا مين ولا كذب

لم تندلق علي سوح الورق، وتكأة الحواسيب، ومنابر التواصل الأثيري مثل هذا الفيض الغامر من القوافي والتعليقات والمراثي والنثر. ويتفق الجميع أنه لم تمر علي تاريخ السودان الحديث شخصية أعظم أثرا من الشيخ الراحل حسن الترابي، مما جعل البروفيسور عبدالله علي ابراهيم يصف رحيله بأنه نهاية عصر. فقد نعي المحجوب الإمام عبدالرحمن اضافة لمناقبه أنه من أهل المال ينفقه دون من أو أذي. لكن الترابي لم يعرف في حياته عد النقود أو الحسابات البنكية. منذ أن اتخذ قراره عقب أكتوبر بتقديم استقالته من عمادة كلية القانون وتفرغه لقيادة الحركة الإسلامية حينها وكانت غريبة مغمورة وأقرب الي سمت الجمعية الخيرية، حقق قفزات ضخمة لم يتوقعها خصومه من أهل اليسار الذين اكتفوا دمغه بالرجعية والتجارة بالدين، بينما عمد مغايظوه من أهل اليمين الي دمغه بالتماهي مع السلطان والديكتوتورية وسدانة نظام مايو. كانت تلك قفزة في الظلام لرجل ركل الوظيفة والعمادة الأكاديمية المهيبة لمستقبل مجهول، واطلق عبدالله علي ابراهيم علي هذا الإختيار وصف (الأفندي المضاد) اقتباسا من كلمة الترابي وهو يصف والده القاضي الشرعي.لم يظل سماء السودان بعد الإمام المهدي شخصية اعمق اثرا وأعظم خطرا من الترابي، ليس لعمق معرفته النظرية فحسب بل لقدرته الإستثنائية علي تنزيل نموذجه النظري الي حيز الواقع.فالبعض يقارنه بكل من جون قرنق وجعفر نميري.

لكن الأول أستعلي بقوة السلاح ودعم الخارج وضجيج التمرد اضافة لمزاياه الشخصية في النظر الإستراتيجي وحسن المناورة. أما الثاني فقد استخدم قوة السلطان وصولجان الدولة لفرض بعض القوانين التي احدثت تحولا في تاريخ السودان القريب. أما الترابي،فقد اتكأ علي فكره العميق وكارزميته الإستثنائية وفعاليته العملية وقدرته الفذة علي التدبير والتخطيط والتنفيذ.فنقل الحركة من جماعة صغيرة معزولة وتقليدية الي حركة جماهيرية هادرة تعج بالنخب وضجيج الجماهير.واستطاع أن يصل كل ذلك من كسب المسلم بسياق نظريته التوحيدية حيث النسك والمحيا والممات لله رب العالمين. واوغل شانئوه في حزه وتقريعه ليس لشيء سوي أنه جرعهم غصص الهزائم المتتالية في مجالي الفكر والسياسة. وظلوا يأتلفون عليه كلما صاح صائح الإنتخابات في الدوائر المختلفة حتي صارت هزيمة الترابي معركة قائمة بذاتها. ولكنه كان يخرج منتصرا بإبتسامته الساخرة.

أهم أنجازات الترابي حسب تقديري المتواضع ليس قيادته لحركة صفوية محدودة ونجاحه في تحويلها الي منظومة جماهيرية متجذرة وممتدة، ولكن في المسحة السودانية التي اضفاها علي روح حركته منذ قراره الإستراتيجي الهام وهو فصل جماعته من تبعيتها التاريخية للتنظيم الأم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقد جلب له هذا القرار مشقة وضيقا وحصارا من شيوخ واخوان دعوته السابقين، فسلطوا علي آرائه الفقهية وأجتهاداته الأصولية نقدا لاهبا في منهجه وتشكيكا في مراميه وغاياته. هذا القرار أضفي علي حركته حسا سودانيا أرتبط بواقعه المحلي، فغادرت الحركة تحت قيادته بؤرة المد السلفي الذي طبع منهجها القديم، وحررها من ولاء تقليدي لا يمت الي الحداثة وتحديات العصر بصلة.وهذا ما دفع زعيم الحزب الشيوعي الراحل محمد ابراهيم نقد ليعترف أنهم أخطأوا في نسبة الحركة في تفكيرها ونهجها الي الجماعة المصرية الأم، فأطمأنوا الي تقليديتها وتكلسها، وهذا ما نبه اليه البروفيسور عبدالله علي إبراهيم جماعة من أهل اليسار عند أطلاعه علي كتاب الترابي (الحركة الإسلامية:الكسب والمنهج والتطور)، حيث وقف علي عقل دقيق ومنظومة متماسكة ومنهج مرن ومتجدد وقيادة متطلعة ومنفتحة. وجعل هذا التحول مجمل كسب الحركة أقرب الي صورة المجتمع السوداني، فلم يعد المتدين في المخيال الشعبي السوداني هو ذلك الملتحي المسكين التقليدي الذي لا يفقه من علوم عصره شيئا ، وبعد توسيع الصف و تعميق (سودانوية الحركة) واستجابتها لتحديات الواقع السوداني عكف الشيخ الترابي علي توسيع صفها من القطاعات الحية فجعل سمت التدين مخبرا وجوهرا ينداح في القطاعات الحديثة وسط الأطباء والمهندسين والموظفين وسوح العلم والمدارس والجامعات،وجاء في هذا التوقيت اجتهاده الأهم وهو خطابه لتحرير المرأة الذي حملته رسالته (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع)، وقد خاض الترابي معارك داخلية قوية ضد التيارات التقليدية ذات النزعة السلفية التي كانت تعارض نهجه في الإنفتاح ومحاورة الآخر.

وطن الترابي لنهج أصولي براغماتي يستجيب لتحديات الواقع ولا يرتهن اليه وتجاوز بذلك أصداء نهج المغالبة مع الماركيسية اللينينية التي كانت تمثل الوجه الآخر للصراع السياسي والفكري في السودان. و تبني نهج الإنفتاح من التنظيم الصفوي المغلق الي رحاب العمل الجماهيري المفتوح في اطار من التحالفات الجبهوية لتوسيع صف المد الإسلامي. وكسر بذلك أول (تابوهات) العمل الإسلامي المنظم في المنطقة العربية والإسلامية التي كانت تتحرز في قبول عضويتها وتوسيع صفها مما جعلها ضئيلة محصورة ومتشككة في كل ما يجري حولها، كما قفز فوق أدبيات المحنة التي مازت تفكير النخبة الإسلامية في المنطقة بعد التجربة الناصرية، خاصة تنظيرات سيد قطب وتصنيف المجتمع الجاهلي والقطيعة النفسية والإجتماعية مع مسميات الطاغوت المتعددة.

ولعل الإسهام الثالث بعد (سودنة الحركة) ، وقطع صلاتها التنظيمية مع الجماعة الأم في مصر، وتبني سياسة الإنفتاح وتوسيع الصف نحو القطاع الحديث وتجاوز أدب المحنة وحملة المغايظات الفكرية مع التيار الماركسي اليساري في السودان،أهتم الترابي ببلورة مرتكزات الخطاب الفكري والبناء التنظيمي. وأختار الترابي ألا يكون مرشدا قاعدا أو مفكرا منظرا يكتب الأوراق والكتب ويجلس في مأمن من دهم السياسة ومعاظلة الواقع، لكنه أختار أن يكون مفكرا عاملا، وأن يكون تفكيره استجابة لتحديات الواقع وتجدد الأقضية والحادثات والنازلات المتتابعة. فأرتبط تفكيره بالعمل، وتنظيره بحل الإشكالات الواقعية، وهنا نشأت جملة من المفاهيم في سياق منظومته الفكرية منها (الكسب والإبتلاء والتدين بالسياسة والخطاب الحضاري للتمايز مع الغرب وتجديد أصول الفقه، والثابت والمتحرك في الدين، والأوبة الي الدين)، وخرجت من تفاعلات هذه المفاهيم تأسيسات الفكر التوحيدي. وهي جملة من رهانات الصراع بين مدرسة التربية ومدرسة السياسة التي ادت الي الإنقسام الشهير بينه والمجموعة الأخري التي قادها الشيخ صادق عبدالله عبدالماجد. كان مفهوم التدين بالسياسة أبعد مدي من تعريفه القاموسي،إذ جاء في إطار مهاصرة الواقع ، وأوبة السياسة الي الدين، إذ كان يري الشيخ الراحل حسن الترابي أن الفقه السياسي ضعف في مجمل التاريخ الإسلامي بعد الفتنة الكبري، وزادت نزاعات التصوف من مروق السياسة من الدين بإعتزال السلطان. وتبني منهج فكري دقيق في أهمية رد مناشط الحياة الي الدين، وأنتصر لمدرسة السياسة التي تبني كل كسبها الفقهي من التفاعل بين المثال المطلق والواقع النسبي. واستطاع أن يقدم مبادرات هامة في بناء منظومة من المؤسسات الإسلامية في العمل الخيري والإقتصاد الإسلامي مثل منظمة الدعوة وبنك فيصل الإسلامي. شكك البعض في وجود مشروع فكري مكتمل للشيخ الترابي، وعدو اجتهادته محض خواطر متفرقة ومزع مشتتة وأن اقواله وفتاويه وأجتهادته ليست أصيلة بل منقولة منحولة. وتتبدي ملامح الأصالة في مشروعه الفكري في قضيته الأساسية حول حجية السنة واستنباط الأحكام، حيث كان يري أن السنة ليست قاضية علي القرآن كما ذهب بعض أتباع الشافعي بل هي التجسيد الفعلي والنموذج العملي للقرآن الكريم،لذا فإنه يرجح الآية المحكمة علي أحاديث الآحاد، ومن ذلك جاءت مراجعاته لكثير من السائد و المعلوم والمتوارث في الفقه الإسلامي منها علامات الساعة،وهو يقول إن القرآن يحدثنا أنها تأتي بغتة بلا أشراط أو علامات. وكذلك حديثه عن عذاب القبر إذ يقول إن القرآن يحدثنا أن الحساب القسط والموازيين يوم القيامة لا قبلها، ولكن ربما تعذب الروح وليس الجسد. وكذلك رأيه الفقهي الذي اثار ضجة حول حديث الذبابة، وهو قوله أن يمكن أن يستمع الي رأي الطبيب النصراني إذا أفاد بوجود جرثومة في الذبابة. وكان رأيه أن سياق حديث الذبابة يؤّل الي حديث تأبير النخل وهو ما يحسم الجدل بين خبرته البشرية (ص) أو قوله التشريعي بحكم نبوته. وأمتد الجدل الي آرائه الفقهية عن بعث المسيح، وقدم تأويلا قويا وهو تكثيف الشعور بالتواكل والإرجاء حيث ينزل المسيح ويملأ الأرض نورا وعدلا بعد أن ملئت جورا وظلما.

وكان يدور كل حجاجه علي قضايا اصولية خاصة حول مصدرية القرآن وحجية السنة. وكان لا يقدم الأحكام المستنبطة من الأحاديث علي اي دليل قطعي من القرآن، وقصر احاديث الآحاد علي المعاملات.لذا أهتم بتجديد أصول الفقه، وبحث الدكتور محمد مختار الشنقيطي عن آراء الترابي المثيرة للجدل فأثبت أصالة طرحه في تسعة عشر قضية ومسألة وجد لها سندا من التراث، وخالفه في مسألة واحدة وهي زواج المسلمة من الكتابي قال إنه لم يجد لها سندا، وقال الترابي أنه لم يرد نص يحرمها في القرآن.وعندها قال الدكتور محمد مختار الشنقيطي إن الترابي بتمسك بأصولية الشاطبي والتماسك الفلسفي والعقلاني للفيلسوف الألماني ايمانويل كانط. وجاءت أحدي اشراقات الترابي المتميزة في قضية فقه الأقليات الذي دعا اليه في زيارته الشهيرة الي أمريكا في آخر عقد السبعين من القرن الماضي وهو يفتي في أبطاء الطلاق لمن اسلمت وبقي زوجها علي المسيحية في بلاد الغرب.وأعترف القرضاوي من خلال المجلس الأوروبي الإسلامي للإفتاء الشرعي أن الترابي سبقهم قبل ربع قرن من الزمان وهو يدعو الي تأصيل فقه الأقليات. وفي ذات السياق اعلن الترابي عدم اعترافه بالتصنيفات التاريخية بين السنة والشيعة وكان يقول أنه ليس سني أو شيعي لأنها تقسيمات لاحقة جاءت في سياق تاريخ الفتن الإسلامية لأن الرسول (ص) لم يكن سنيا أو شيعيا. وغيب التاريخ سيرة كل من هاجموه وطعنوا في عقيدته من شاكلة (الصارم المسلول في الرد علي شاتم الرسول)، إذ اصبحوا نسيا منسيا وسار في جنازة الترابي عشرات الآلاف معرفة وعرفانا بدوره وكسبه وعمله.

يعتبر كتاب (الايمان) الذي حرره في السجن هو عمدة قاعدة نظريته التوحيدية، إذ ترتبط كل حركة وسكنة المسلم بوصل ممدود من الإيمان، وتعد كذلك احد أهم انجازات الترابي الفكرية نزعته العقلانية ومحاولة إعادة احياء العقل في مركزية التفكير والإجتهاد الإسلامي بالتفكر والتدبر.و قد جهد نفسه في ذم توجهات تعطيل العقل،واشتغل بما سماه بأسلوب الصدمة أو صب الماء البارد علي الغافي أو النائم ليصحوا.وأجتهد لتحرير العقل من الإرتهانات التأريخية والموروثات الثقافية، لذا عارض قيام مدرسة متخصصة للكادر اسوة بتجارب اليسار السياسي في السودان والمنطقة الإقليمية حتي لا يمارس أملاء أو كبتا عقليا علي الشباب فيقرأون من محفوظات مقرراتهم التنظيمية. ودعا الي توسيع الكسب المعرفي معارضا تشكيل العقل التسليمي الإذعاني وتنميط التفكير بتحديد مقرر من مرجعيات التراث أو مذاهب الفقه والكسب النظري.وكان يحتفي بذوي المواهب من اصحاب النظر الثاقب والنقد المحكم. ونصح اتباعه بقراءة المراجع والأصول وعدم الإهتمام بأدبيات المدافعة. و كان ينتقد كذلك الاسلوب السائد وسط أتباع الأستاذ محمود محمد طه لأنهم يرددون محفوظات وأقوال استاذهم دون ان يجهدوا عقلهم في التدبر والإستنباط. وكان يختار بفراسة شهيرة قيادات جماعته ممن صدق الزمان حسن ظنه واختياره لهم، رغم انه اخطأ التقدير في بعضهم. وقد صوب اليه البعض ميسم النقد ووصفوه بأنه متآمر علي الثقافة لأنه انتبذ قصيا أهم كوادره الفكرية وقرب اليه ذوي النشاط التنفيذي. وقال البعض أنه لا يريد ذاكرة ثقافية حية تذكره بالأصول والإستراتيجيات، وبرر له البعض أنه يمتلك خارطة الطريق وهو يبحث عن من ينفذها لذا فهو لا يريد مفكرين بل يريد ناشطين ومنفذين.هذا رغم أنه دعا في نظره التجديدي الي الإجتهاد الجماعي وهدم أي توجهات لخلق طبقة نخبوية تفكر إنابة عن الأمة. وهذا ما جعل البعض يردد أنه خلق طبقة من الحواريين الذين صاروا يقلدون مشيته وطريقة كلامه ولغة جسده ومخارج حروفه وطبقات صوته،وهذا بالطبع من وقع الشخصيات الكارزمية التي يفتتن بها الشباب ثم يعبرون الي النضج ويتركونها بحثا عن شخصياتهم وذواتهم المستقلة.

أخذ عليه شانئوه أيضا قدرته علي السيطرة والتحكم والعواطف الباردة، وفي المقابل يؤكد آخرون عملوا معه ورافقوه انه لم يكن بارد العواطف لكنه شديد التحكم في كتمانها وعدم اظهارها حتي لا تؤثر علي شخصيته كزعيم، كما أنه منفتح علي الحوار والنقاش والرأي الآخر، لكنه في ذات الوقت يكره الأغبياء. واخذ عليه الغربيون من الأكاديميين والدارسين نزعته الثورية لإحداث التغيير في المجتمع والدولة متأسيا بتجربة الثورة الفرنسية، وهذا ما أخذه عليه البروفيسور كولنز، وكذلك الدكتور بيتر وود ورد من جامعة ريدنغ ببريطانيا. وهذا ايضا ما اشار اليه د. عبدالوهاب الأفندي في كتابه الشهير (ثورة الترابي) الذي يعد تلخيصا لرسالته الأكاديمية لنيل درجة الدكتوراة.وكان يري فيه الدكتور جون فول وجون اسبيزيتو ان الترابي السياسي أضاع الترابي الفكري رغم نجاحه في تجاوز التفكير التجريدي عند سيد قطب والمودودي.

ولا شك أن الترابي يعتبر إمام مدرسة الحداثة في تاريخ الحركة الإسلامية الحديث، مما دفع الدكتور عبدالله علي إبراهيم ليحرر لاهوت الحداثة عن الترابي ارتكازا علي مفهوم الإبتلاء، لأنه يرتبط بمعاظلة الواقع والإستجابة لأقضية العصر المتجددة.

واشنطون ما تزال تئن من صدمة احداث سبتمبر في العام ٢٠١١، ولكن الصوت الذي أتاني عبر الهاتف متوترا متهدجا محتجا، قال جملة قصيرة انني اناشد الحكومة السودانية ألا تمس شعرة من رأس الترابي انه قائدنا وزعيمنا.

كان الصوت من الطرف الآخر يقول انه من قادة المسلمين في مجتمع الأمريكيين السود، بمنطقة واشنطون وميرلاند وان للترابي زعامة فكرية وروحية علي اتباعه لذا فهو يحذر من المساس به.كنت دبلوماسيا صغيرا في واشنطون وقد دفعني احتجاج ذلك الرجل للوقوف علي تأثير أفكار الترابي علي مجتمع المسلمين بأمريكا، فكانت محاضرات الترابي وتعاليمه في كل زياراته لأمريكا تركز علي تجاوز عقدة الاضطهاد والاسترقاق والمشاركة الفاعلة في مناشط الحياة العامة وجعل الاسلام جزء من تيارات الثقافة الامريكية المعاصرة وهو يسوق الشواهد ويضرب الأمثلة علي عالمية رسالة الاسلام لوجود شخصية أفريقية مثل الصحابي بلال وشخصية آسيوية مثل الصحابي سلمان الفارسي وشخصية أوروبية مثل صهيب الرومي.كان هذا الخطاب يجد قبولا وترحيبا من مجتمعات المسلمين في امريكا لأنها تحررهم من عقدة الاضطهاد التاريخية. وعندما وقف امام اللجنة الفرعية للشئون الافريقية بالكونغرس قال بصوت واثق ان الصحوة الاسلامية هي موجة من موجات التاريخ ستأتي بالثورة او التأثير المتدرج. فلابد من قبولها والإفساح الديمقراطي لها دون حجر أو قمع كما حدث في الجزائر. وهو بهذا القول صاحب الثورة الأولي في العالم السني والثانية في العالم الاسلامي بعد ثورة الخميني في ايران.

كان المشهد غريبا والحاج بابا يرفل في هفهفة الشباب في خواتيم الستين من القرن الماضي ويهمس في إذن الشيخ حسن الترابي يستفتيه في شأن حفل زواجه واهله يطربون للغناء ولا يقيمون أفراحهم دونه، فنظر اليه وقال لا بأس لكن فرق بين النساء والرجال. وبعد هذا التاريخ بأربعة عقود كان يدخل عليه الصحفي والمستشرق الفرنسي ألان شفالرياس وهو يدير معه حوارا شاملا اصدره في كتاب باللغة الفرنسية بعنوان (الاسلام مستقبل العالم) ، وفي ذلك الكتاب الذي نقله للعربية الدكتور يوسف سعيد نقل شفالرياس عن الترابي آراء جريئة عن الفن والنحت والتصاوير والغناء فيقول فيها ان الميل الي المادية الغرائزية في الفن تصرف قلب المسلم عن الترقي في معارج الإيمان بالله. و كل فن يزيد من وجدان المسلم وترقيته الروحية للإيمان بالله هو مقبول محبذ. و تكشف المفارقة بين حديثه مع تلميذه الحاج بابا ومقابلته مع المستشرق الفرنسي شفالرياس وبينهما أربعة عقود عن خيط فكري ناظم في التجديد الاسلامي وذلك ما يدفع أمين حسن عمر ان يدقق في المقال الذي كتبه الترابي في مطلع الثمانين من القرن الماضي عن السينما الاسلامية حتي لا يثير حفيظة الدوائر المتشددة التي تحرم السينما جملة واحدة.

وقبل ذلك المشهد بعام واحد كان الترابي بكامل حلته الغربية يخاطب ندوة حاشدة في عقر دار قاعدة الحزب الشيوعي في مدينة عطبرة التي غادرها وهو يركب في مؤخرة القطار في عربة الفرملة ويلوح بيديه للقادمين والعابرين والمودعين، وكان من بين الحشود البروفيسور اسماعيل حسن حسين مدير جامعة الجزيرة الاسبق، وهو يتأمل حيوية هذا الشاب الملتحي الذي تتحول تعاليم الدين في لسانه الي أنشودة . وفي مدرسة القولد الوسطي كان مصطفي عثمان في بواكير صباه وهو يستمع الي الدكتور الترابي ويتعلق به ضاربا بولاءات أهله لحزب الأمة عرض الحائط. والدكتور قطبي المهدي يضيق ذرعا بتقليدية الحركة ونزعتها السلفية ولا يري لها مستقبلا حتي تبرز شخصية الترابي فتتحول الحركة الي حيوية ممتدة ليقول لولا بروز الترابي في تلك المرحلة التاريخية الفاصلة لخرج الكثيرون من صف الحركة.

كان الشيخ راشد الغنوشي يجلس علي برش الصلاة في العام ١٩٧٨ علي هامش الاسبوع الثقافي لطلاب جامعة الخرطوم، وحلقات نقاشه مع الشيخ حسن الترابي تمتد الي اضواء الفجر الأولي ترسم في الأفق تلاقح العقول امام تحديات التجديد والحريات وازالة التناقضات الموروثة بين الحداثة والديمقراطية والإسلام. عندما غادر الشيخ الغنوشي صيف الخرطوم الحارق قال لمرافقه أنا علي أتم اليقين ان الحركة الاسلامية في السودان ستكون الأولي التي تصل الي الحكم في المنطقة. وقال حميدة النيفر أحد القيادات الشابة في حركة النهضة التونسية حينها أنه كان محبورا وهو يري تأثير أفكار الترابي علي الشيخ راشد الغنوشي في اقتحام لجج العمل السياسي العام بتنظيم منفتح وجماهيري. لذا أهدي الغنوشي أحد أهم كتبه (الحريات العامة في العمل الإسلامي) للدكتور حسن الترابي، وقال عنه انه اشبه بإبن خلدون في تتبع أحوال النهضة والعمران، واتقان الهندسة الإجتماعية لتأسيس النهضات الحديثة.

كان الحديث يمضي هامسا بين المحبوب عبدالسلام وياسر عرمان ، اذ وقر في صدر جون قرنق استخفافا بالقيادات السودانية من حيث القدرات الفكرية والذكاء السياسي، واتفقا علي ان اعادة التوازن لهذا الإحساس لا يتم الا بترتيب مقابلة مع الترابي عسي ان يعيد لقرنق توازنه في احترام ذكاء وقدرات قيادات الشمال.ولكن لم تتم المقابلة كما خطط لها من قبل،. لقد مضي الدكتور حسن الترابي الي ربه، وبكته الحشود الحاشدة والجموع الهادرة من مريديه ومحبيه لأنه شخصية استثنائية في تاريخ السودان الحديث، تلك التي تولد في كل مائة عام مرة. وشمتت في موته قلة أرادت أن تحمله أوزار الفشل التاريخي في السودان، لكن يتفق الجميع علي تأثيره العميق في المجتمع والسياسة والدين في السودان، وستظل افكاره مصدر الهام لكثير من الشباب علي امتداد العالم الإسلامي لعقود كثيرة قادمة، وقد ألهمهم في حياته شمول المعرفة وعمق النظر ودقة الفهم والتدبر وحسن التخطيط والتنفيذ، والنظر المتجدد للدين والتحرر العقلي من جمود التاريخ واثر الموروث والمداورة والتنميط، والجرأة علي المبادرة في ظل منظومة من الفكر والوجدان التوحيدي الذي يرتبط بالإيمان.

2017/06/19

ابشروا يا من " نجيتم" من الكلاب الضالة فالجميعابي جزاه الله خيرا في انتظاركم
تطالعنا صحف الإثارة و في صفحاتها التي تسمي (المجتمع) تطالعنا يوميا بالاخبار الكثيرة و المخيفة عن الاطفال حديثي الولادة الذين وجدو هنا و هناك ..
 و ربما يكون هناك إعداد اخري لا تذكر في هذه الصحف منها ما ذكره لي أخ صاحب مشتل حيث قال أنه عند حضوره مبكرا لمشتله سمع صراخا بين الزهور و الورود و الشتول و بقايا أوراق الشجر فتفاجأ بطفل حديث الولادة قام بالاتصال بالشرطة التي تحركت و استلمته و اتخذت الإجراءات ..
تفاكرنا حول الأمر و أسبابه و مسبباته و طرقه و كيفيته و وسائله و زمانه و مكانه ..
فكان الحديث عن التعالي و التباهي و الإسراف في الأفراح و عزوف الشباب عن الزواج كأحد المسببات و هناك اسباب كثيرة اخري ..
بالخوض في هذا السبب اي التعالي و التباهي و الإسراف في الأفراح .. صورت مشهد حضوري مناسبة زفاف في احدي الصالات ..
و الزخم قد عم أرجاء الصالة ، ،
والضوضاء قد انتشر هنا و هناك ، ،
و الصالة تبهرجت و تزينت بالألوان المتعددة و الاضواء المتمددة ، ،
و الملابس الساترة انزوت ، ،
 و الآخري الفاضحة اشرأبت ، ،
و الثالثة غير المعروفة صالت و جالت ،،
و فتياتنا ليس لهن نصيب من الحياء .. لا ذنب لهن .. يجبرونك علي الحياء .. إلا أنهن يحيونك و باسمك أحيانا لكنك لا تعرفهن ، ، رغم أن بعضهن تربطك بهن بعض الصلات ، ،
فقد غيبتهم المستحضرات الطبية و التبييض ، ، بكيميائها و أعشابها ، ، و الزومبا و الكيرياتون .. فصاروا مسخا ، ، و هم يظنون انهم يحسنون صنعا ،،
و الاصوات تعلو تارة و تنخفض اخري ، ،
و يبدأ المغني ، ، و الاغاني ليست كما كانت ، ، فقد غيبها التقليد غير الموفق ، ،

كل  هذا يحدث علي عينك يا تاجر .. لا يهم .. طالما ان التاجر قبض .رسوم التصريح !!
 و اخيرا و لا حول و لا قوة الا بالله من اخيرا ..
ال دي جي .. فاالاصوات تزداد صخب و ضجيجا تكاد معه الاذنين ان تتفجر ،،
و تزداد الاضواء توهجا و بريقا .. فتارة احمرارا و اخري اصفرارا و البنفسج بينها  تلألأ يصيب الأعين  الما ,,فتشعر و كان الشمس قد اقتربت منا ،،
و تختلط الأجناس تتداخل فلا تعرف من الأنثى و من الذكر ، ، حتي الجلباب و العمائم لم تسلم ..
نعم كل هذا تشاهده غصبا عنك ..
 ذكرت ذلك لأحدهم فيقول أحمد الله ، ، انك في نعيم ..فآخرون يشاهدون العريس يقبل العروس عيانا بيانا و الكل في سكون وحيرة ..
الاب يتجمد دمه بالقرب من ابنته و الاخ تغيب احاسيسه و هو بالقرب من اخته ..
هي تجارة تقدمها شركات الترويج و الإعلان و الفن و الديكور .. فتصنع الثقافة و تجربها في فتياننا و فتياتنا الهائمين . الحائمين .. الفقراء المساكين ..
و إكمالا للمشهد . .   و بالخارج الهدوء يسود المكان ، ،
و الذي ينذر بالعواصف التي تثور .. ربما بعد شهور تسع أو أقل ..
هناك أمجاد تقف في زاوية بعيدة ينبعث منها ضوء خافت ..
و ركشآت تتحرك و اخري  تنتظر ..
و سيارات مظللة بداخلها اناس تجمدت دماءهم ،،
و خشعت اصواتهم ، ، ،
فلا تسمع لهم إلا همسا ، ، ،
ولا تري لهم إلا ظلا ظليلا ..
فقط صوت محرك السيارة، ، و يرتفع احيانا و ينخفض مع حركة تكييف العربة ..
الناس بداخلها "" طقسهم أوربي "..
 و صاحب الهمر يتبختر و حوله صبية مفتولي العضلات لهم رأيهم يتحدثون بلغة لا نفهم منها إلا قليلا من عملات اجنبية و تأشيرات عالمية و خطوط جوية ..
تنتفخ اجفانهم من النوم الكثير و تبدو علي اشكالهم الراحة و الدعة و برغم نومهم و تعطلهم لا تستطيع أن تعرف ماذا يعملون و ما هي وسيلة كسبهم ..
الحادية عشر تماما  ..
رفع صاحب الإيقاع يده  ..
و عطل صاحب الساوند سيستم جهازه ..
 و بدأ آخرون في جمع أسلاك التوصيلات ..
هي الحسنة الوحيدة التي صارت كخضراء الدمن بين سوءات السلطات المحلية الكثيرة ..


عندها تم تخفيض الاضاءة ..
 فانتشر البعض إلي سياراتهم الخاصة  ..
 و آخرون الي الترحيل الجماعي الذي ربما دفع حقه العريس ..
و آخرون اتجهوا نحو المواصلات العامة ..  
و هناك فئة تجمعت و جلسوا ينتظرون ذويهم الذين انزلوهم و ذهبوا لشانهم وعدوهم بالحضور بعد نهاية الحفل ..
علي كل ..
 انتشر الناس ..
لا آدري الي اين ذاهبون .. ربما الي بحري .. الثورة .. الكلاكلة و و و و..
 الي المايقوما ..
الدار العامرة من نتائج و خلاصات هذه الركشات و الامجادات و العربات المظللة و ال دي جي ..
و أقول للفئة التي لا ذنب لها الفئة التي تزداد يوما بعد .. الفئة التي لا يسأل عنها احد ..
 أقول لهم :-
ابشروا اذا " نجيتم" من الكلاب الضالة .. فالجميعابي جزاه الله خيرا في انتظاركم .. نعم..
اخيرا انتهينا و عدنا الي ديارنا فقد ارضينا مخلوقا و جاملناه لكنا اغضبنا الرب و عصيناه .. استغفر الله ..


"مدنيااااو" قصة الثورة المسروقة

الي متي يظل مأذقنا متواصلاً

  [الي متي يظل مأذقنا متواصلاً؟] [مزاحمة المواطنين للمتقاتلين هل هي "سبهللية"] ▪️مرات عديدة قمنا بتغييرات سياسية في بلادنا ونفخر د...