(( - و لا يزال المأزق السوداني متواصلاً - )) .
■ ماذا خسر السودان بانحطاط النظام الانتقالي؟
بالرغم من ان السودان طيلة فترات الحكومات الوطنية سواء كانت مدنية او عسكرية لم يشهد نهضة او تطوركبيراً كما حدث للعديد من البلدان حوله , الا انه لم يشهد تدهورا مريعاً كما حدث في الفترة الانتقالية التي اعقبت ثورة ديسمبر 2018 , فقد شمل التدهور كافة الاصعدة و لم يستثني في ذلك شيئ , و هذه هي النتيجة الطبيعية للسياسات الفاشلة التي تم اتباعها خلال فترة الانتقال بعد الثورة , فقد انشغلت المكونات السياسية الحاكمة بشقيها المدني و العسكري بالحكم و كيفية قسمة كيكة السلطة و تجاهلت حالة البؤس و الشقاء و اليأس التي ظل يعاني منها المواطنين سنين طويلة , و للاسف حتي اصدقاء النظام الانتقالي سواء كانوا منظمات أممية او دولا او حكومات او دبلوماسيين ساروا في نفس منهاج الحكام اذ كان كل همهم كيفية الصلح و لم الشمل بين المكونات الحاكمة لاطالة امد الحكم .
_________
//سياسياً//
----------------
التناحر و الصراع و الخلافات بين المجموعات السياسية فيما بينها من جهة و بين المكون العسكري و المدني من جهة اخري ادي الي حدوث ازمة سياسية في البلاد لم تشهد مثلها طيلة فترات الحكم منذ الاستقلال و نتيجة لذلك ظهرت الانقسامات في المكونات السياسية و ظهرت النعرات العنصرية و القبلية و الجهوية الامر الذي فتح الباب علي مصراعيه لدخول الاجانب باجنداتهم المختلفة و المتناقضة بدءا من الجيران العرب و الافارقة و الاخرين من بقية دول العالم علاوة علي المنظمات الاممية و الطوعية المختلفة .
________________
//عسكرياً و امنياً//
---------------------------
مع تفاقم الصراعات بين المكونات الحاكمة و كما هو معلوم فان الجانب الامني قد شهد ازمات كبيرة لم تشهدها البلاد من قبل و قد اصبحت حرمة القوات المسلحة و الامنية مستباحة سواء كان في الاعلام او حتي في المداولات بين المكونات المختلفة و ربما حتي بواسطة الجهات الاجنبية اذ لم تراعي خصوصية هذه الاجهزة في ظل دولة تشهد تحديات كثيرة منذ الاستقلال اهمها الحدود الكبيرة المترامية الاطراف و التي تقل فيها الموانع الطبيعية , لقد اصبحت البلاد ملجأ و مقرا للجواسيس و اصحاب الاجندات من جميع انحاء العالم و صاروا يتدخلون في الشان الامني و العسكري بواسطة عملاء من داخل الوطن و يظهر ذلك في النداءات و الصراخ المتكرر بضرورة هيكلة القوات النظامية و ضرورة تفكيك المؤسسات الاقتصادية التابعة لها الامر الذي ادي الي تذمر العديد من القيادات العسكرية و الامنية مما تسبب في خوف و هلع المواطن من قيام الانقلابات و الحروب .
_____________
//دبلوماسياً//
----------------------
الوضع الغريب للنظام القائم في السودان الان و الذي يظهر التناقض بين مكونات الحكم , ادي الي هرولة المحاور المختلفة سواء كانت اقليمية او دولية و تسابقها و تنافسها للفوز باستقطاب جهات حتي تستطيع الولوج للوطن و حيازة مصالح سياسية او اقتصادية او عسكرية , تقاسمت الجهات الخارجية علي اختلافها المكونات المحلية السياسية و الجهوية و القبلية و الايدلوجية وبات واضحا ان الجهة الفلانية في المكون الفلاني في النظام الحاكم تتبع للدولة الفلانية و ان الجهة الفلانية تتحالف و تاخذ الاستشارات من الدولة الفلانية فاصبح السودان اضحوكة في العرف الدبلوماسي و لم تعد هناك اسرار .
ما صاحب انشطة وزارة الخارجية في العهد الانتقالي يؤكد ان هذا النظام لا يعرف العمل الدبلوماسي و اهميته و اسراره , اشهر موضوع عري هذا النظام ما ضجت به الاسافير و الفضائيات و الصحف بما تناوله الناطق الرسمي للخارجية السودانية و من ثم تصريح الوزير المكلف باندهاش الخارجية لتصريحات الناطق الرسمي في قضية لقاء رئيس الدولة مع الرئيس الاسرائيلي ، فيما قال المتحدث باسم المجلس السيادي الانتقالي "لا نمانع في علاقة مع اسرائيل و لقاء البرهان و نتنياهو تم بتنسيق مع حمدوك" , و اكد ذلك رئيس مجلس السيادة البرهان "لقائي مع نتنياهو تم بترتيب من امريكا و بعلم حمدوك" , و قال وزير الثقافة فيصل محمد صالح "السيد رئيس الوزراء لم يكن على علم بزيارة رئيس مجلس السيادة إلى عنتبي ولقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي، ولم يحدث أي إخطار أو تشاور في هذا الأمر". و قالت وزيرة الخارجية أسماء محمد عبدالله "ليس لدي أي علم بشأن لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في أوغندا", كل هذه الأحداث صارت مواد متداولة بالنقل و البحث و النقد مما أدي إلي تعرية الدبلوماسية السودانية أمام العالم .
__________
//اقتصادياً//
----------------
الجانب الاقتصادي و كما هو معلوم يتاثر ايجابيا او سلبيا بالوضع السياسي و بالطبع و نتيجة للتدهور و الانحطاط السياسي كان الاثر الكبير علي الجانب الاقتصادي اذ توقفت عجلة التنمية بل عجلة الانتاج عموما اذا لم تستقر الامور بدءا من المنتجين حيث شهدت البلاد في احيانا كثيرة اغلاقا كاملا للطرقات تتوقف معه حركة السير و بالتالي حركة العمل و قد بلغ الاثر ان وصلت نسبة التضخم ارقاما قياسية لم تشهدها دولة في العالم و علي اثر ذلك هرب المستثمرين و اصحاب رؤوس الاموال الاجانب بل حتي صغار المستثمرين و رجال الاعمال الوطنيين , توقفت المصانع و المزارع عن العمل مع ازدياد تكاليف الانتاج خاصة الزيادات المضطردة و العالية في الوقود و الكهرباء و قطع الغيار المستوردة نتيجة لانخفاض العملة و أدت السياسات الخاطئة و المتذبذبة إلى التخريب الكبير في كل القطاعات خاصة القطاع الزراعي بدءا من تفاقم مشاكل الري وتوقف التمويل تماماً و تفاقمت مشاكل استيراد الاسمدة والمبيدات والبذور المحسنة علاوة علي الفساد في استيرادها.
في مجال خدمات الصحة و البيئة و التعليم فقد فشل النظام الذي سرق الثورة في تسيير دفة الحكم و عدم الاستقرار الذي شهدته الدولة في الفترة الانتقالية الحالية و اطالة الفترات التي لا توجد فيها مؤسسات قانونية و دستورية للحكم علاوة علي عدم وجود حكومة شهدت البلاد اسوأ حالاتها في التدهور الذي اصابها في الشأن الصحي و البيئي فقد انعدمت الخدمات الصحية في المستشفيات و ارتفعت اسعار الادوية و تدهورت خدمات النظافة و اصحاح البيئة , اما المجال التعليمي فقد تفاقمت مشاكل المدارس و الجامعات و قد اغلقت العديد من المدارس الخاص اما الجامعات فقد تراكمت الدفعات و تم تجميد العام الدراسي في العديد من الجامعات .
__________
//اعلامياً//
-----------------
في ظل الصراعات الحزبية و الصراعات بين المكونات الحاكمة اصبحت البلاد عارية في الوسائل الاعلامية و قد وجدت الوسائط الاعلامية المختلفة خاصة الانترنت مرتعا خصبا لتداول الاخبار الكاذبة و السيئة و البذيئة حيث اصبح شاغل المسئولين منذ الصباح الباكر و همهم فقط الرد علي الشائعات و نفيها او تكذيبها , و في الجانب الحكومي تعددت المنابر و التصريحات و التي تظهر دائما وجود خلافات بين الحكام ما يزيد الام المواطنين و يفقدهم الثقة في قادتهم و حكومتهم .و في الجانب المجتمعي و نسبة للخلاقات بين القادة في المكونات الحاكمة فقد تشتت افكار و اراء المواطنين بين مؤيد بتعصب لهذا و مؤيد لاخر الذي يجلب الحزن ان يتخاصم المواطن البائس مع أخيه تعصباً لتأييد فئة علي الآخري و ربما يتطور الخصام الي الاقتال .
__________
//مجتمعياً//
------------------
نتيجة للصراعات بين قيادات المكونات المختلفة في المجتمع و طمعها في السلطة و قسمتها و اختلاف القادة و السياسيين في كيفية قسمة السلطة و جلوسهم المتواصل و تضييع الزمن كل هذا اثر علي التركيبة المجتمعية و تفشت الامراض و الظواهر الدخيلة علي المجتمع و لم يجد الشباب من ثورته غير هذه الصراعات , مع صعوبة الاوضاع الاقتصادية الناتجة من الفشل الحكومي واجهت الكثير من الاسر مشاكل في كيفية تدبير امور المعيشة مما اصاب الكثير منهم الاضطراب و البحث عن لقمة العيش بشتي الطرق الامر الذي جعل الكثير من ابناءهم يهيمون بين الهجرة غير الشرعية و متاعبها و بين البقاء في الوطن مع تفشي المخدرات و الخمور و الانحلال .
_____________________
■ و كان انقلاب 25 اكتوبر
--------------------------------
بواسطة الجنرال البرهان:
و كنتيجة حتمية و وفقا لتجارب معروفة و كثيرة سابقة ، كان الانقلاب و الذي سماه أهله بالحركة التصحيحية وكما هو معلوم فان طرق تغيير اسماء الحكام و السلاطين في بلادنا هي ثلاثة اما بثورة الناس او بالانتخابات او هذه الانقلابات العسكرية ، فالذي حدث كان متوقعاً ، فعندما يتخاصم السلاطين الحاكمين فيما بينهم فلابد ان يستغل احدهم الوسائل التي تجعله يسيطر علي الأوضاع و يبعد الآخرين ، و قد كان ، استخدم المكون العسكري ما يملك من قوة و استلم السلطة وابعد الآخرين الذين يظنون انهم يملكون قوة أيضا تمكنهم من العودة مرة اخري الي السلطة ، و بطرق مختلفة يعملون لتحريك الجماهير ، وبدأوا يصرخون: "لا بد من تكوين جبهة عريضة لإعادة السلطة للشعب"، و ينادون: "أخرجوا و احموا ثورتكم" ، و يقترحون: "مليونية إسقاط النظام " ، و يعلنون: "وقفة احتجاجية للحكم المدني " ، و يحلمون: "اعتصام عودة الديمقراطية" ، و يتباكون لتحريك الشباب: "اصحي يا ترس"ويقولون: "المجد للمتاريس و لمن احرق اللساتك و اشتعل" ، و يتوسلون للسفارات و المنظمات الاممية و فولكر: " اضغطوا علي الانقلابيين" لنعود الي السلطة مرة اخري .
ان حال حكامنا الذين تعاقبوا علي السلطة في بلادنا منذ "الاستقلال" و الي اليوم تتمثل فقط في البحث عن "السلطة" باي وسيلة بدءا بالانتخابات السلمية فإن لم يستطيعوا فيلجأون الي المعارضة السلمية من أجل الوصول إلي السلطة و إن لم يستطيعوا فالانقلابات العسكرية , و ان لم يستطيعوا فالتمرد و القتال والحروب , و إن لم يستطيعوا فالهروب و الاحتماء بالدول و الأنظمة العالمية الاخري لاعانتهم لتغيير السلطة في بلادهم . و حتي عقب الثورات الشعبية يعودون و يتدثرون بثياب الثورة و يسمون أنفسهم حكومة الثورة ، و للاسف كلهم علي السواء ، قضوا كل فترات الحكم في الصراعات علي السلطة و خدمة أنفسهم و كياناتهم و لم يلتفتوا الي مواطنيهم و لا إلي نهضة بلادهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق